كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن إسحاق: فهؤلاء لا أعرف ما أعطاهم.
وأعطى سعيد بن يَرْبُوع خمسين بعيرًا، وأعطى عباس بن مِرداس السُّلَمِيّ أبَاعِرَ قليلة فسخِطها.
فقال في ذلك:
كانت نِهابًا تَلافَيْتُهَا ** بكَرِّي على المُهْرِ في الأجْرَع

وإيقاظِيَ القومَ أن يرقدوا ** إذا هَجَع الناس لم أهجع

فأصبَح نَهْبِي ونَهْب العُبَيْ ** دِ بين عُيَيْنة والأَقْرَع

وقد كنتُ في الحرب ذا تُدْرَإٍ ** فلم أعْطَ شيئًا ولم أمْنع

إلاّ أفائلَ أُعطِيتُهَا ** عديدَ قوائِمه الأربع

وما كان حِصنٌ ولا حابِسٌ ** يفوقان مِرْداسَ في المَجْمع

وما كنتُ دون امرئ منهما ** ومن تَضع اليومَ لا يُرْفَع

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فاقطعوا عني لسانه» فأعطَوْه حتى رَضِيَ؛ فكان ذلك قَطْع لسانه.
قال أبو عمر: وقد ذُكر في المؤلفة قلوبهم النُّضير بن الحارث بن علقمة بن كَلَدة، أخو النضر بن الحارث المقتول ببدر صَبْرًا.
وذكر آخرون أنه فيمن هاجر إلى الحبشة؛ فإن كان منهم فمحال أن يكون من المؤلفة قلوبهم؛ ومن هاجر إلى أرض الحبشة فهو من المهاجرين الأوّلين ممن رسخ الإيمان في قلبه وقاتل دونه، وليس ممن يؤلّف عليه.
قال أبو عمر: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف بن سعد بن يربوع النّصريّ على من أسلم من قومه من قبائل قيس، وأمره بمغاورة ثقيف ففعل وضيّق عليهم، وحسُن إسلامه وإسلام المؤلّفة قلوبهم، حاشا عُيينة بن حِصن فلم يزل مَغْموزًا عليه.
وسائر المؤلفة متفاضلون، منهم الخَيّر الفاضل المجتمَع على فضله، كالحارث بن هشام، وحكِيم بن حِزام، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، ومنهم دون هؤلاء.
وقد فضل الله النبيين وسائر عباده المؤمنين بعضهم على بعض وهو أعلم بهم.
قال مالك: بلغني أنّ حكيم بن حِزام أخرج ما كان أعطاه النبيّ صلى الله عليه وسلم في المؤلفة قلوبهم فتصدّق به بعد ذلك.
قلت: حكيم بن حزام وحُويطِب بن عبد العُزّى عاش كل واحد منهما مائة وعشرين سنة، ستين في الإسلام وستين في الجاهلية.
وسمعت الإمام شيخنا الحافظ أبا محمد عبد العظيم يقول: شخصان من الصحابة عاشا في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة، وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين؛ أحدهما حكيم بن حزام، وكان مولده في جوف الكعبة قبل عام الفِيل بثلاث عشرة سنة.
والثاني حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصارِيّ.
وذكر هذا أيضًا أبو عمر وعثمان الشَّهْرُزُوريّ في كتاب معرفة أنواع علم الحديث له، ولم يذكرا غيرهما.
وحُويطب ذكره أبو الفرج الجَوْزِيّ في كتاب الوفا في شرف المصطفى.
وذكره أبو عمر في كتاب الصحابة أنه أدرك الإسلام وهو ابن ستين سنة، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة.
وذكر أيضًا حَمْنن بن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف، أنه عاش في الإسلام ستين سنة وفي الجاهلية ستين سنة.
وقد عُدّ في المؤلفة قلوبهم معاوية وأبوه أبو سفيان بن حرب.
أما معاوية فبعيد أن يكون منهم؛ فكيف يكون منهم وقد ائتمنه النبيّ صلى الله عليه وسلم على وَحْي الله وقراءته وخَلَطه بنفسه.
وأما حاله في أيام أبي بكر فأشهر من هذا وأظهر.
وأما أبوه فلا كلام فيه أنه كان منهم.
وفي عددهم اختلاف، وبالجملة فكلهم مؤمن ولم يكن فيهم كافر على ما تقدّم، والله أعلم وأحكم.
الثالثة عشرة واختلف العلماء في بقائهم؛ فقال عمر والحسن والشعبيّ وغيرهم: انقطع هذا الصِّنف بعز الإسلام وظهوره.
وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأي.
قال بعض علماء الحنفية: لما أعز الله الإسلام وأهله وقطع دابر الكافرين لعنهم الله اجتمعت الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه على سقوط سهمهم.
وقال جماعة من العلماء: هم باقون؛ لأن الإمام ربما احتاج أن يستألف على الإسلام.
وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدَّين.
قال يونس سألت الزُّهْرِيّ عنهم فقال: لا أعلم نسخًا في ذلك.
قال أبو جعفر النحاس: فعلى هذا الحُكم فيهم ثابت، فإن كان أحد يحتاج إلى تألّفه ويخاف أن تلحق المسلمين منه آفة، أو يرجى أن يحسن إسلامه بعدُ دُفع إليه.
قال القاضي عبد الوهاب: إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أعطوا من الصدقة.
وقال القاضي ابن العربيّ: الذي عندي أنه إن قوِي الإسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم؛ فإن في الصحيح: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ».
الرابعة عشر فإذا فرّعنا على أنه لا يُردّ إليهم سهمهم فإنه يرجع إلى سائر الأصناف أو ما يراه الإمام.
وقال الزهرِيّ: يُعطَى نصفُ سهمهم لعُمّار المساجد.
وهذا مما يدلك على أن الأصناف الثمانية محلّ لا مستحقون تسويةً، ولو كانوا مستحقين لسقط سهمهم بسقوطهم ولم يرجع إلى غيرهم، كما لو أوصى لقوم معينين فمات أحدهم لم يرجع نصيبه إلى من بقي منهم.
والله أعلم.
الخامسة عشرة قوله تعالى: {وَفِي الرقاب} أي في فَكّ الرقاب؛ قاله ابن عباس وابن عمر؛ وهو مذهب مالك وغيره.
فيجوز للإمام أن يشتري رِقابًا من مال الصدقة يعتقها عن المسلمين؛ ويكون ولاؤهم لجماعة المسلمين.
وإن اشتراهم صاحب الزكاة وأعتقهم جاز.
هذا تحصيل مذهب مالك؛ وروي عن ابن عباس والحسن، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد.
وقال أبو ثَوْر: لا يبتاع منها صاحب الزكاة نَسمَة يعتقها بجرّ ولاء.
وهو قول الشافعيّ وأصحاب الرأي ورواية عن مالك.
والصحيح الأوّل؛ لأن الله عز وجل قال: {وفي الرِّقَابِ} فإذا كان للرقاب سهم من الصدقات كان له أن يشتري رقبة فيعتقها.
ولا خلاف بين أهل العلم أن للرجل أن يشتري الفرس فيحمل عليه في سبيل الله.
فإذا كان له أن يشتري فرسًا بالكمال من الزكاة جاز أن يشتري رقبة بالكمال؛ لا فرق بين ذلك.
والله أعلم.
السادسة عشرة قوله تعالى: {وَفِي الرقاب} الأصل في الولاء؛ قال مالك: هي الرقبة تعتق وولاؤها للمسلمين، وكذلك إن أعتقها الإمام.
وقد نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته.
وقال عليه السلام: «الولاء لُحْمَةٌ كَلُحْمة النسب لا يباع ولا يوهب» وقال عليه السلام: «الولاء لمن أعتق» ولا ترث النساء من الولاء شيئًا؛ لقوله عليه السلام: «لا ترث النساء من الولاء شيئًا إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن» وقد ورّث النبيّ صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة من مولًى لها النصف ولابنته النصف.
فإذا ترك المعتِق أولادًا ذكورًا وإناثًا فالولاء للذكور من ولده دون الإناث.
وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
والولاء إنما يورث بالتعصيب المحض، والنساءُ لا تعصيب فيهن فلم يرثن من الولاء شيئًا.
فافهم تصِب.
السابعة عشرة واختلف هل يُعان منها المكاتب؛ فقيل لا.
روي ذلك عن مالك؛ لأن الله عز وجل لما ذكر الرقبة دلّ على أنه أراد العتق الكامل، وأما المكاتب فإنما هو داخل في كلمة الغارمين بما عليه من دين الكتابة، فلا يدخل في الرّقاب.
والله أعلم.
وقد روي عن مالك من رواية المدنيين وزيادٍ عنه: أنه يُعان منها المكاتب في آخر كتابته بما يعتق.
وعلى هذا جمهور العلماء في تأويل قول الله تعالى: {وَفِي الرقاب}.
وبه قال ابن وهب والشافعيّ واللّيث والنَّخَعِيّ وغيرهم.
وحكى عليّ بن موسى القُمِّيّ الحنفيّ في أحكامه: أنهم أجمعوا على أن المكاتب مراد.
واختلفوا في عتق الرقاب؛ قال الكِيا الطبريّ: وذكر وجهًا بيّنه في منع ذلك فقال: إن العتق إبطال مِلك وليس بتمليك، وما يدفع إلى المكاتب تَمليك، ومن حق الصدقة ألا تجزي إلا إذا جرى فيها التمليك.
وقوى ذلك بأنه لو دفع من الزكاة عن الغارم في دينه بغير أمره لم يجزه من حيث لم يملك فلأن لا يجزي ذلك في العتق أولى.
وذكر أن في العتق جرّ الولاء إلى نفسه وذلك لا يحصل في دفعه للمكاتب.
وذكر أن ثمن العبد إذا دفعه إلى العبد لم يملكه العبد، وإن دفعه إلى سيده فقد ملّكه العتق.
وإن دفعه بعد الشراء والعتق فهو قاضٍ دينًا، وذلك لا يجزي في الزكاة.
قلت: قد ورد حديث ينصّ على معنى ما ذكرنا من جواز عتق الرقبة وإعانة المكاتب معًا، أخرجه الدّارقُطْنِيّ عن البَرَاء قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: دُلَّني على عمل يقرّبني من الجنة ويباعدني من النار.
قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة».
فقال: يا رسول الله، أو ليستا واحدًا؟ قال: «لا، عِتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفكّ الرقبة أن تُعين في ثمنها» وذكر الحديث.
الثامنة عشرة واختلفوا في فكّ الأسارى منها؛ فقال أَصْبَغ: لا يجوز.
وهو قول ابن القاسم.
وقال ابن حبيب: يجوز؛ لأنها رقبة مُلِكت بملك الرِّق فهي تخرج من رِقّ إلى عتق، وكان ذلك أحقّ وأوْلى من فكاك الرقاب الذي بأيدينا؛ لأنه إذا كان فكّ المسلم عن رقِ المسلم عبادةً وجائزًا من الصدقة، فأحرى وأولى أن يكون ذلك في فكّ المسلم عن رق الكافر وذُلّه.
التاسعة عشرة قوله تعالى: {والغارمين} هم الذين ركبهم الدِّين ولا وفاء عندهم به، ولا خلاف فيه.
اللَّهُمّ إلا من ادان في سفاهة فإنه لا يعطى منها ولا من غيرها إلا أن يتوب.
ويُعْطَى منها من له مال وعليه دين محيط به ما يقضي به دينه، فإن لم يكن له مال وعليه دين فهو فقير وغارم فَيُعطى بالوصفين.
روى مسلم عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا عليه».
فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك».
الموفية عشرين ويجوز للمتحمِّل في صلاح وبرٍّ أن يُعطى من الصدقة ما يؤدّي ما تحمّل به إذا وجب عليه وإن كان غنيًا، إذا كان ذلك يُجْحف بماله كالغريم.
وهو قول الشافعيّ وأصحابه وأحمد بن حنبل وغيرهم.
واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث قَبِيصة بن مُخارِق قال: تحملت حمّالة فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقةُ فنأمر لك بها ثم قال يا قَبيصةُ إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثةٍ رجل تحمّل حَمَالة فحلّت له المسألة حتى يصيبها ثم يُمسِك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش أو قال سِدادًا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوِي الحِجَا من قومه لقد أصابت فلانًا فاقةٌ فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش أو قال سدادًا من عيش فما سواهنّ من المسألة يا قَبيصةُ سُحْتًا يأكلها صاحبها سُحْتًا».
فقوله: «ثم يُمسك» دليل على أنه غنيّ؛ لأن الفقير ليس عليه أن يمسك. والله أعلم.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: «إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثةٍ ذوي فقر مُدْقِع أو لذي غُرْم مُفظِع أو لذي دم مُوجِع» وروي عنه عليه السلام: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلا لخمسة» الحديث وسيأتي.